مصادفةٌ رائعةٌ
فضَّل نصر الله أن يقضي عطلته القصيرة بعيدا عن ضوضاء
المدينة، فخرج مع عائلته، وكان الفصل ربيعا، والجو معتدلا، والربيع أحب الفصول إلى
نفس نصر الله، فكان من الطبيعي أن يشعر بالبهجة والسرور. وقرر نصر الله ألا تخلو
رحلتُه من القراءة، ولذلك أخذ معه قصصَه، وطلب من إخوته ألا ينسوا قصصهم المفضلة.
انطلقت الرحلة في جو هادئ، وكان
الزمن صباحا، وركبت الأم في المقعد الأمامي بجانب الأب، بينما ركب نصر الله وأختُه
في المقاعد الخلفية، وفور انطلاق السيارة لفت نصر الله انتباه شقيقته فخاطبها
قائلا:
-
سعاد، اربطي حزام السلامة.
-
يا نصر الله، إننا داخل المدينة، لا داعي من ربط حزام
السلامة الآن حتى نغادر المدينة، ونقترب نقطة وجود رجال الدرك!
استمتع الأبوان بحوار ابنيهما،
ولكنهما تظاهرا بعدم سماعه، ولذلك لم ينهرا الابنة كما لم يشجعا الابن.
وتصل السيارة منطقةً ريفيةً لم يكن
بها قرب الطريق سوى منزلٍ وحيدٍ، هناك يصيبها عطب لم يدرِ الأب سببه، فنزل الأب
ونزل معه نصر الله، ورفع الأب غطاء المحرك، فشرع يتفحص محرك السيارة بعناية، وكان
نصر الله يمده بالمفاتيح التي يرغب فيها. وخلال تلك المدة، خرج من تلك الدار شيخُ،
على وجهه ملامح الوقار والحكمة. استفسرهم عن المشكلة، وأخبروه أن عطبا ما أصاب
سيارتهم. فطمأن الشيخ الأبَ، ورحب بعائلته كافة، وقال: "هو عطب، ولكنه من محاسن
المصادفات؛ إن ابني رجل ميكانيكي، لذا لا تفكروا في عطب السيارة، ولا في المسافة
التي تفصلكم عن الوجهة المقصودة، ادخلوا بيتي هذا لترتاحوا قليلا، وكلوا مما رزقكم
الله".
دخلت العائلة بيتا ريفيا بسيطا، كل
أرجائه هدوء وسكينة، ومما زاد من فرحة نصر الله وأخته أن أحفاد الشيخ جاؤوا بدورهم
إلى تلك القرية لزيارة جدهم وقضاء عطلتهم بها، فكان عطب السيارة مناسبة ليتعرف
الصغيران على صغار آخرين، ويكتشفا محيطهما الريفي. لاحظ نصر الله بحوزة الأحفاد
ألعابا جميلةً، وكان أغلبها شاحنات مصنوعة بدقة، وسيارات من مختلف الأحجام، منها
ما يعمل بجهاز تحكم عن بعد، ومنها ما يحتاج الدفع اليدوي، فسأل أحد الأحفاد:
- لماذا كثرت الشاحنات
والسيارات في ألعابكم؟
- حاول ان تكتشف
السر يا نصر الله.
- ربما لأن أباكم
ميكانيكي، كما أخبر جدكم أبي، فيقتني
لكم ألعابا ذات علاقة بمهنته.
- صحيح، كما أننا
نأتي إلى هذه القرية في عطلنا دائما، ولا نحب أن نأتي بأجهزة حديثة كالهواتف
الخلوية وغيرها من أدوات التكنولوجيا الحديثة، ونرى أن هذه الألعاب أفضل بكثير.
- لماذا؟
- لأن الأجهزة
التكنولوجية تسرق الوقت من مستعمليها، وتستنزف الوقت، وتفسد الترويح عن النفس
خصوصا في العطل.
- ما أروعك يا
صديقي! هلا خرجتم معنا للاستمتاع بها قليلا؟
- نعم، بكل سرور.
سُمع حوار الصغار من لدن الكبار،
ولم يُسمع حوار الكبار من لدن الصغار، فكان حوار الكبار حول ظروف الرحلة، ووجهتها،
وأسباب عطب السيارة، ومصائب الزمن، وظروف الحياة، وكان حوار الصغار حول الألعاب
وأنواعها، وسر كثرة هذا دون ذاك بعيدا عن خطوب الحياة.
اتصل الشيخ الحكيم بابنه
الميكانيكي، فحضر وتعرف على عائلة نصر الله، وأصلح عطب السيارة، ثم تناول الضيوف
ما لذ وطاب من طعام، وشكروا الشيخ على حسن الضيافة. وها هو حوار مشترك هذه المرة
حين قالت سعاد:
-
ألا
تشعر بالملل يا عمي وأنت وحيد بهذا البيت؟
-
لا
يا بنيتي، انظري إلى خزانتي، إنها خزانة غنية بالكتب، وحين أقرأ هذه الكتب أشعر
أني أقعد مع كتابها؛ فكما يؤنس الإنسان أخاه الإنسان، يؤنس الكتابُ صاحبه الإنسان.
-
صدقتَ
يا عمي، الكتب مؤنسة حقا. ما أروع خزانتَك حقا! لاحظ، بدورنا نحمل معنا كتبا كثيرة، وأغلبها قصص مفضلة
لدينا، نقرأها في أوقات فراغنا.
-
أحسنت يا بنيتي، كما أن أحفادي يأتون في كل عطلة، وأترك الكتب
بعض الأيام لأشاركهم فرحتهم، كما شاركتموني فرحتكم اليوم.
- شكرا يا عمي من أعماق قلوبنا: لقد أركمتنا، وأصلح لنا ابنك السيارة، واستمتعنا مع أحفادك كثيرا، واستفدنا من كلامك الكثير. يا لها من مصادفة رائعة! فواصلت العائلة الرحلة بنجاح.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
مرحبا بك في مدونة "اليراع الإبريزي" للتدقيق اللغوي، والتحرير، والتمحيص اللغوي، وتأليف القصص، والترجمة. كيف يمكننا مساعدتك؟