أخطأنا معا، ولكن...!

 

أعلنت إدارة مدرسة خالد عن القيام برحلة مدرسية لتوعية متعلميها بأهمية المحافظة على البيئة. وقرأ خالدٌ الإعلان وقلبُه مفعم بالبهجة والسرور؛ إنه حدثٌ سيروح عن نفسه ويدرك من خلاله أهمية المحافظة على البيئة.

حل الصباحُ، واجتمع التلاميذُ بباب مدرستهم. وبعد دقائق، ها هي الحافة تقف أمامهم، فركب الجميع، وانطلقت الرحلة. كانت المسافة طويلةً، ولكن فرحةَ التلاميذ أنستهم طول المسافة؛ لقد استغلوا ساعات الطريق بأحاديثَ مختلفةٍ، منها الثنائية ومنها الجماعية. وكان خالد من التلاميذ المحبين للقصص خصوصا القصص الواقعية، وإذا تعلق الأمر بقصص الأنبياء فذاك حديث آخر. ولذلك كانت قصة يوسفَ بين يدي خالد، كما كانت قصص أخرى بين أيادي زملائه ممن يعشق القراءة.

وفي الرحلة تلميذ يدعى يوسف، وهو صديق خالد، وقد اتفق الاثنان قبل انطلاق الحافلة على أمر غير محمود، وفي الطريق قرر خالد تنفيذ ما تم الاتفاق عليه.

-       معلمي، لم يكن معنا يوسف. ربما تأخر عن موعد الانطلاق، أو ربما سقط من نافذة الحافلة ولم نتفطن إلى ذلك!

-       لا يا خالد، الكل حاضر.

-       انظر يا معلمي، إن مقعده شاغر!

-       يا للعجب!

توقفت الحافلة بأمر من المعلم، وتلاشى هرج الأحاديث الثنائية فجأة، وبدأت مشاعر الهلع على الوجوه، وبعد عد المشاركين تبين فعلا أن يوسفَ لم يكن بمقعده. يا للهول!

 وصار يوسف موضوعا للكلام والبحث على السواء، وتحولت متعة الرحلة من متعة إلى جحيم. ربط المعلم الاتصال بأبي يوسف، وأخبره أن الولد خرج في الوقت المناسب، ولم يتأخر عن موعد انطلاق الرحلة، ويوسف ابن رجل بسيط وليس كيوسف ابن يعقوب، وأي مكروه يصيبه فالويل للمعلم والمدير.

نزل الجميع. منهم من ينادي بأعلى صوته، ومنهم من يبكي، ومنهم من يفكر ويسأل: كيف ضاع يوسفُ ولم يتفطن له أحد؟! قرر السائق العودةَ حيث انطلق عله يعثر على يوسفَ أو أثر يقوده إليه.

وفي لحظة عودة الحافلة، أطلق خالد ضِحكة لفت بها انتباه الجميع، فخرج يوسف أسفل مقعده بالحافلة، وقد ارتدى بذلة شبيهة بلون أغطية مقاعد الحافلة، فضحك الصغار وغضب الكبار!

شعر خالد ويوسف أنهما خدعا الجميع بنجاح، وانطلقت الحافلة من جديد، وصار الحديثُ موحدا هذه المرة، لقن فيه المعلم خالدا ويوسفَ وزملاءَهم درسًا لا ينسى في اجتناب الكذب.

وصلت الحافلة الوجهة المقصودة، واستمتع التلاميذ بالرحلة كما استفادوا منها أيما استفادة. وفي المساء أعلن المعلم لحظة العودة، وأثناء الاستعداد لصعود الحافلة، تفطن خالد أن يوسفَ لم يكن معهم، وقال في نفسه: كيف أقنع معلمي الآن بأن صديقي لم يكن معنا؟ فقال للمعلم:

-       معلمي، إن يوسف لم يكن معنا!

-       يا خالد، ألم تستفد أي شيء في درسنا اليوم؟ وعلينا ان نصل مدينتنا في الوقت المناسب كما سطرنا في برنامج الرحلة.

-       نعم يا معلمي، لقد استفدتُ الكثيرَ.

-       لقد خدعتنا في الصباح، فكيف نثق بك في المساء؟!

-       ولكني يا معلمي أتحدث الآن بجد لا بهزل ولا خداع.

تبين بالفعل أن يوسفَ لم يكن بين رفاقه، ولم يكن متخفيا هذه المرة أسفل المقعد. وبعد محاولات عسيرة، وجدوا يوسفَ يتألم بعدما سقط من مرتفع فأصابه فدعٌ وجروح خفيفة في يده، وأسعفوه فورا، ثم نقلوه إلى الحافلة وغادروا المكان.

نظرت حكيمةُ في حال يوسفَ وقالت: "معلوم أن الخرجات المدرسية تصاحبها أحبانا أخطار، لذلك علينا ألا نفترق إذا خرجنا لرحلة أخرى" وقال خالد وقد تذكر خطأه: "تماما. معذرة معلمي، ومعذرة أحبتي، لقد خدعتكم بالكذب صباحا، وفشلت في إقناعكم بالحقيقة مساءً. ليتني لم أكذب لتصدقوا كلامي فورا حتى لا نتأخر عن إسعاف صديقنا يوسف". وقال يوسف متحسرا: "نعم. الكذب ملعون حقا. أخطأنا معا، ولكن" فقال الجميع: "ولكن ماذا؟ فرد يوسف وخالد وقد صارا حكيمين: "أخطأن معا، ولكن أدركنا قيمةَ الصدق، واستفدنا من هذا الموقف شيئا عظيما؛ فمنذ يومنا هذا، علينا أن نطبق العِبَرَ من قصص الأنبياء في حياتنا اليومية حتى نقوي إيماننا لا أن نخدع أحبتنا".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مرحبا بك في مدونة "اليراع الإبريزي" للتدقيق اللغوي، والتحرير، والتمحيص اللغوي، وتأليف القصص، والترجمة. كيف يمكننا مساعدتك؟

تربية وتكوين

 فاجعة زلزال الحوز- تارودانت (08 شتنبر 2023م). ليلة الفاجعة كما عشتها...   في مساء يوم الجمعة 22 صفر 1445 هـ/ 8 شتنبر 2023، في تمام الساعة ا...